يحتوي تاريخ الطاقة الذرية على الكثير من الإنجازات والتطور على مدار الستين عامًا الماضية، ففي عام 1950م بدأ البحث والتطوير لاستخدام الطاقة الذرية في إنتاج الكهرباء لتزويد العالم بمصدر طاقة منخفض التكلفة. وبحلول عام 1960م تم بناء 17 مفاعل نووي، وذلك لإنتاج 1200 ميجاواط من الكهرباء. أما الآن فيوجد أكثر من 400 محطة طاقة نووية تعمل في 26 دولة، تشكل ما نسبته 16% من الطاقة الكهربائية المنتجة في العالم.
تمتاز المفاعلات النووية بكونها تقلل من انبعاثات الكربون مقارنةً بالطرق التقليدية كحرق الوقود الأحفوري، بالإضافة إلى أنها تُعتبر مصدرًا ذا اعتمادية وموثوقية عالية، حيث تقوم المفاعلات النووية بإنتاج الطاقة يوميًا على مدار السنة وبشكل مستمر، وتتوقف فقط في حالة صيانتها أو إعادة تعبئتها بالوقود النووي. ويتم توليد الطاقة الكهربائية عن طريق الحرارة الناتجة عن انشطار نواة اليورانيوم داخل قلب المفاعل النووي، حيث يتم قذف نواة اليورانيوم 235 بنيوترون مما سيؤدي إلى انشطار نواة اليورانيوم وإطلاق الطاقة، بالإضافة إلى نيوترونين أو 3 نيوترونات. فتتحول قطع النواة المنقسمة إلى ذرتين جديدتين، وعادةً ما تكون هاتين الذرتين الجديدتين عنصري الباريوم والكريبتون الذي لا يمكننا ان نراه بلعين المجردة. فتصطدم النيوترونات الإضافية التي يتم إطلاقها عند انقسام نواة اليورانيوم بالمزيد من أنوية اليورانيوم مما يؤدي إلى المزيد من الانقسامات، وبذلك إطلاق المزيد من الطاقة ويطلق على ذلك اسم التفاعل المتسلسل. فتُسخِّن الطاقة التي نتجت من الانشطار النووي المياه داخل محطة الطاقة النووية، التي بدورها تُسخِّن مصدر مياه آخر وتبخيره، وبذلك يدور توربين متصل بمولد لإنتاج الكهرباء.
إن أمان المفاعلات النووية متقدم جدًا وقد تم تقليل المخاطر بشكل ملحوظ بعد ظهور الجيل الثالث من المحطات والتي تتسم بفعالية أكبر وأمان أكثر في تصميمها. ولن تستخدم السعودية إلا أكثر التقنيات تقدمًا والأحدث تطورًا والتي تم اختيارها باعتبار الأمن والسلامة والضمانات وذلك لتقديم أعلى المعايير الدولية عند إنشاء المفاعلات النووية المخطط لها.
ومن أهم فوائد الطاقة الذرية مساهمتها في تزايد فرص العمل عالية المستوى، وتأسيس الكفاءات التقنية النووية وتهيئة الشباب السعودي ليصبح قياديًا متمكنًا خلال الأعوام القادمة. بالإضافة لذلك فإن الطاقة الذرية ستساهم بتطور هائل في مجال الصناعة للمستقبل بما في ذلك من تطوير الهندسة الذرية والأبحاث المتقدمة وتقنية المفاعلات النووية وبحوث دورة الوقود وتطويرها. وستساهم في تطوير العديد من المجالات الأخرى كالطب والزراعة والمعادن وتحلية المياه.
يتزايد الطلب على الطاقة الكهربائية بما يزيد عن 7% سنويًا وهذا يمثل طلبًا متزايدًا على الموارد الهيدروكربونية، وهو ما يتطلب استخدام مصادر بديلة ومستدامة وموثوقة لتوليد الكهرباء وإنتاج المياه المحلاة، والتي بدورها ستقلل من استهلاك الوقود الأحفوري، وكذلك سيخفف من انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري. ودخول الطاقة النووية سيزيد من توفر ضمان إضافي لإنتاج الماء والكهرباء في المستقبل ويوفر في الوقت ذاته الموارد الهيدروكربونية لفترة أطول، كما أنه سيعزز صناعة الطاقة في المملكة وما يتبع ذلك من توفير فرص وظيفية وتنمية قطاعي الصناعة والاستثمار.
وفعلًا بدأت أولى الخطوات في عام 2009، عندما صدر مرسوم ملكي جاء فيه أن "تطوير الطاقة الذرية يعد أمرًا أساسيًا لتلبية المتطلبات المتزايدة للمملكة للحصول على الطاقة اللازمة لتوليد الكهرباء وإنتاج المياه المحلاة وتقليل الاعتماد على استهلاك الموارد الهيدروكربونية"، هذه الخطوة كانت بداية الإعلان الرسمي لسعي المملكة في الحصول على "طاقة نووية" سلمية تبعها الإعلان عن إنشاء مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة في 2010م والتي تهدف إلى بناء مستقبل مستدام للمملكة من خلال إدراج مصادر الطاقة الذرية والمتجددة ضمن منظومة الطاقة المحلية.
تعتبر المدينة الجهة المسؤولة عن تطوير أعمال الطاقة الذرية في المملكة لتمكين الطاقة الذرية من المساهمة في مزيج الطاقة الوطني والإسهام في توفير متطلبات التنمية الوطنية المستدامة التي تنص عليها رؤية المملكة الطموحة 2030، وفقًا للمتطلبات المحلية والالتزامات الدولية مما يجعل الطاقة الذرية جزءًا من منظومة الطاقة في المملكة العربية السعودية ويعزز دور المملكة بوصفها دولة رائدة وفاعلة في مجال الطاقة.لتفاصيل المشروع الوطني للطاقة الذرية ( اضغط هنا ).